على العكس مما ذهب إليه كثيرون، فإنني أزعم ان حركة النهضة في تونس كسبت بأكثر مما خسرت في الانتخابات التشريعية التي تمت هذا الأسبوع.
صحيح أنها خسرت بعض المقاعد في مجلس النواب إلا أنها كسبت رصيدا معتبرا من الاحترام.
وخسارتها جولة في الانتخابات لا تقاس ولا تقارن بالكسب الذي حققته على مستوى التاريخ، من حيث انها حفرت لنفسها مكانا باعتبارها نموذجا للإسلام السياسي المعتدل، الذي اصطف إلى جانب الدولة المدنية ودافع عنها، ونجح في التفاعل مع التيار العلماني المعتدل، وانحاز طول الوقت إلى جانب قيم وقواعد الممارسة الديمقراطية، ليس ذلك فحسب وانما ضرب المثل في تقديم مصلحة الثورة واستحقاقات الممارسة الديمقراطية على مصلحة الحركة وغوايات السلطة.
بل انني لست أخفي ارتياحا لفقدان حركة النهضة المركز الأول بين الأحزاب المتنافسة ليس فقط لان من شأن ذلك أن يوفر للحركة فرصة كافية لمراجعة تجربتها وانضاج خبرتها، ولكن لأسباب أخرى منها ما يلي:
ــ لو ان النهضة احتفظت بموقعها في المركز الأول لما سلمت من تهمة التزوير واستخدام أدوات السلطة ونفوذها للتلاعب في النتائج. ولدينا في تونس وفي العالم العربي أبواق إعلامية جاهزة وقادرة على تثبيت التهمة، فضلا عن توفر أجواء عربية مواتية للتشهير والإدانة.
ــ لو ان النهضة احتفظت بموقعها في المركز الأول لما سلمت من تهمة التزوير واستخدام أدوات السلطة ونفوذها للتلاعب في النتائج. ولدينا في تونس وفي العالم العربي أبواق إعلامية جاهزة وقادرة على تثبيت التهمة، فضلا عن توفر أجواء عربية مواتية للتشهير والإدانة.
ــ إذا بقيت النهضة في صدارة المشهد السياسي فاننا لن نعدم أصواتا تقول: ألم نقل لكم إن أمثال هؤلاء يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة، بمعنى أنها تلك التي تقودهم إلى السلطة، وستكون الانتخابات التي جاءت بها هي الأخيرة في سجل الممارسة الديمقراطية التي يدعونها.
ــ سوف يستنفر ذلك التحالف النشط في العالم العربي الآن، الذي أعلن الحرب على الإسلام السياسي، واعتبر ان استئصاله من الفضاء العربي هو أول وأهم أهداف الحرب ضد الإرهاب.
ــ سوف يستنفر ذلك التحالف النشط في العالم العربي الآن، الذي أعلن الحرب على الإسلام السياسي، واعتبر ان استئصاله من الفضاء العربي هو أول وأهم أهداف الحرب ضد الإرهاب.
وربما أدى ذلك إلى ممارسة مختلف الضغوط الاقتصادية على تونس، سواء لافشال تجربة حكم النهضة أو لمعاقبة الجماهير التي صوتت لصالحها.
لست أشك في أن الحركة لم تتعمد التراجع إلى المرتبة الثانية، لكني عند رأيي ان التراجع كان في مصلحتها وفي مصلحة الديمقراطية التونسية أيضا.
لست أشك في أن الحركة لم تتعمد التراجع إلى المرتبة الثانية، لكني عند رأيي ان التراجع كان في مصلحتها وفي مصلحة الديمقراطية التونسية أيضا.
وهو أمر أحسب انه يحتاج إلى مزيد من المناقشة والتمحيص. بل أزعم أن تجربة النهضة في تونس تستحق أن تدرس من جانب الباحثين المعنيين بتفاعلات وتحولات العالم العربي، خصوصا ان أجواء الربيع العربي دلت على أن المكون الإسلامي طرفا لا يمكن تجاهله، وان ترشيد ذلك المكون وانضاج خبرته هو في مصلحة الاستقرار في نهاية المطاف.
صحيح أن ظهور تنظيم داعش وحكاية الخلافة الإسلامية وممارساتها المنفرة والبشعة تمثل وجها دميما لتجليات الحالة المنتسبة إلى الإسلام، إلا أن النموذج الذي قدمته حركة النهضة يمثل وجها آخر تتوفر له مقومات القبول فضلا عن الاحترام.
لقد أشرت أمس إلى الجهد الذي بذلته النهضة في تونس للحفاظ على تماسك المشهد السياسي من خلال الالتزام بقاعدة التوافق، واعتبار ان ديمقراطية الأغلبية لا تناسب مرحلة ما بعد نجاح الثورة.
لقد أشرت أمس إلى الجهد الذي بذلته النهضة في تونس للحفاظ على تماسك المشهد السياسي من خلال الالتزام بقاعدة التوافق، واعتبار ان ديمقراطية الأغلبية لا تناسب مرحلة ما بعد نجاح الثورة.
وهو اجتهاد مهم جدير بالنظر، خصوصا ان التجربة التونسية أثبتت نجاحه في الحفاظ على استمرار مسيرة الثورة، وتجنب انتكاسها أو انكسارها كما حدث في أقطار أخرى.
وإلى جانب ديمقراطية التوافق فقد سبق ان ذكرت ان الجهد الذي بذله منظمو الحركة لتنزيل فكرة «المقاصد» على الواقع السياسي، يستحق بدوره دراسة وتمحيصا، والمقاصد بمعنى المصالح الكلية العليا تتصرف في الخطاب الإسلامي التقليدي إلى مقاصد الشرع، وهي متعددة الدرجات، أعلاها مرتبة تلك التي تستهدف الحفاظ على خمسة أمور جوهرية هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
ولفكرة المقاصد مكانة خاصة في الفقه المالكي السائد في بلاد المغرب، وكتاب الإمام الشاطبي «الموافقات» يعد مرجعا مهما في الموضوع.
ما يعنينا في الأمر ان منظري الحركة اهتدوا بفكرة المقاصد في تفاعلهم مع المشهد السياسي التونسي وتحدثوا عن جيل جديد من المقاصد السياسية العليا التي يتعين الاسترشاد بها لانجاح التجربة التونسية.
وقد تمثلت تلك المقاصد في ضرورة الحفاظ على الثورة، والانطلاق من مبدأ التوافق، مع تثبيت قواعد الممارسة الديمقراطية.
أكرر أننا بصدد تجربة ثرية تستحق عناية من جانب الباحثين، ليس فقط للوقوف على ايجابياتها ولكن أيضا للتعرف على سلبياتها وأخطائها، لا لكي نحتفي بحركة النهضة، ولكن أيضا نثبت عوامل نجاح التجربة الديمقراطية من جهة، ولكي ترشد مسيرة المكون الإسلامي من جهة ثانية.
أكرر أننا بصدد تجربة ثرية تستحق عناية من جانب الباحثين، ليس فقط للوقوف على ايجابياتها ولكن أيضا للتعرف على سلبياتها وأخطائها، لا لكي نحتفي بحركة النهضة، ولكن أيضا نثبت عوامل نجاح التجربة الديمقراطية من جهة، ولكي ترشد مسيرة المكون الإسلامي من جهة ثانية.
وللأسف فإن الأجواء الراهنة المشبعة بالاحتقان والحساسية لا تحتمل حوارا موضوعيا حول ذلك الملف، الذي أصبح شائكا وملغوما في بعض الأقطار العربية.
لذلك فربما كان غاية ما نطمح إليه في الوقت الراهن أن نعطى التجربة التونسية حقها من الانصاف، وان نسجل حفاوتنا بالنموذج الذي قدمته حركة النهضة وبالرسائل الايجابية المهمة التي وجهتها إلى كل من له صلة بملف الإسلام السياسي والشأن العام.